1)
امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد
في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد
في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة
إلا بتضييع أوامره .
2) يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
3)
أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب
ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه
يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
4) يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه
5)
أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر الله آية النور
عقيب الأمر بغض البصر ، فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا
فروجهم ) ، ثم قال اثر ذلك : ( الله نور السماوات والأرض ، مثل نوره
كمشكاة فيها مصباح ) ، أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره
واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ،
كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من
بدعة وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال
بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد
ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
6)
أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق
والكاذب ، وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة
وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ،
واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة ؛ وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة .
7)
أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة
والحجة وسلطان القدرة والقور ، كما في الأثر : " الذي يخالف هواه يفر
الشيطان من ظله " ، وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها
ومهانتها وخستها وحقارتها ، وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال
الحسن : " إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل
المعصية لا يفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه " ، وقد جعل الله
سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته ، فقال تعالى : ( ولله العزة
ولرسوله وللمؤمنين ) ، وقال تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون
إن كنتم مؤمنين ) ، والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى : ( من
كان يريد العزة فلله العزة جميعا ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح
يرفعه ) ، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب
والعمل الصالح ، وفي دعاء القنوت : " إنه لا يذل من واليت ولا يعز من
عاديت " ، ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه، وله من العز سب طاعته ،
ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وعليه من الذل بحسب معصيته .
أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى
القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور غليه
ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب
نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك
الصورة ، فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج
النار ، وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل
جانب ، فهو وسطها كالشاة في وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات
بالصور المحرمة : أن جعل لهم في البرزخ تنوراُ من نار ، وأودعت أرواحهم
فيه إلى حشر أجسادهم ، أراها الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في المنام في
الحديث المتفق على صحته .
9)
أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه
ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة
عن ذكر ربه ، قال تعالى : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه
وكان أمره فرطا ) ، وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه .
10)أن
بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر ،
يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر
فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد
، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ ، فلا يصلح
لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه ،
وإنما يسكن فيه أضداد ذلك